حسام السيد النجار يكتب: “منافسوا قناة السويس المصرية .. وممر الشمال – الجنوب

بقلم: حسام السيد النجار

تخطط موسكو لاستخدام ممر القطب الشمالي الجديد لتصدير النفط والغاز الى الأسواق الخارجية، خاصة أن معظم هذا الخط بات خاليًا من الجليد إلى حد كبير. وصار الجليد في القطب الشمالي يذوب مبكرًا كل عام.

ومن المتوقع أن يصبح ممر الملاحة الشمالي، طريقا تجاريا رئيسيا للبضائع المشحونة بين أوروبا وآسيا في المستقبل.

وجاء في بيان نشر على موقع الحكومة الروسية، ونقله موقع قناة “آر تي عربية” الروسية، :”تواصل الحكومة العمل على إنشاء البنية التحتية لممر الملاحة الشمالي، أهم ممر شحن ذي أهمية وطنية وعالمية. ووقع رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين على أمر الموافقة على خطة تطويره حتى عام 2035 وتتضمن الخطة تمويل أنشطة بنحو 1.8 تريليون روبل”.

وممر الملاحة الشمالي يمتد عبر منطقة القطب الشمالي ويربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر المتجمد الشمالي. وتعمل روسيا باهتمام شديد على تطوير هذا الممر البحري.

وكان يعرف هذا الممر باسم الممر الشمالي الشرقي قبل بداية القرن الـ20، ولا يزال يسمى بهذا الاسم أحيانًا.

منافسو قناة السويس المصرية

في وقت يبدو أن ممر ملاحة القطب الشمالي هو الأكثر خطرًا علي قناة السويس، فإن دولاً أخري أطلقت مشاريع تهدف من خلالها الى تنويع مسارات الشحن الدولي، بتكاليف أقل وخلال فترة زمنية أقصر من المسارات التقليدية، وفي مقدمتها قناة السويس المصرية.

قناة بن غوريون الإسرائيلية

بالأضافة الى ممر الملاحة الشمالي يبرز أيضا مشروع قناة بن غوريون الأسرائيلي الذي تسعي من خلاله الدوله العبرية الى إسقاط قناة السويس المصرية عن عرش أهم شريان ملاحي بالعالم؛ وهو ما تجلي بإعلان سلطات تل أبيب بدأ العمل لإنشاء قناة بن غوريون، التي ستربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط لتكون بديلًا ومنافس لقناة السويس المصرية.

إذ إن المسافة بين إيلات والبحر المتوسط تقارب المسافة التي تمتد عليها قناة السويس لربط البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط، لكن إسرائيل تروج لقناة بن غوريون من إيلات، بأنها ستختصر المسافة التي تجتازها السفن في قناة السويس بين البحرين الأبيض والأحمر، وذلك بأنها لن تقيم قناتها بالمبدأ ذاته الذي تعمل به قناة السويس.

إذ إن أسلوب القناة المصرية يقوم علي وجود يوم تمر فيه السفن من اتجاه إلى اتجاه آخر، وفي اليوم الثاني يتم استعمال الاتجاه المعاكس للسفن المتجهة الي الاتجاة المعاكس، أما قناة بن غوريون فستقوم علي طريقة حفر قناتين مائيتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر الي المتوسط، والثانية من المتوسط إلى البحر الأحمر، ما يعني أن أي سفينة لن تنتظر يوم الذهاب أو الإياب؛ بل ستبحر علي الفور.

ممر الشمال – الجنوب

يلبي مشروع “ممر الشمال– الجنوب” حاجة روسيا الدائمة للوصول إلى المياه الدافئة، عبر بناء شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية وخطوط الملاحة البحرية بهدف تعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز ودول آسيا الوسطى؛ حيث يربط عبر الأراضي الإيرانية بين عاصمة روسيا الشمالية، مدينة وميناء سان بطرسبورج المطلة على خليج فنلندا في بحر البلطيق، والعاصمة المالية والتجارية للهند مومباي. كما يُفترض مستقبلا بناء خطوط مواصلات فرعية تربط الممر بشرق ووسط أوروبا.

ثلاث مسارات لممر الشمال الجنوب

المسار الأوسط عبر بحر قزوين: حيث يبدأ المسار برًا من سان بطرسبورج شمال غرب روسيا إلى منطقة أستراخان الروسية على بحر قزوين ثم يتم الشحن بحرًا بواسطة السفن إلى ميناء بندر انزلي الإيراني على ساحل بحر قزوين، ثم النقل برًا إلى ميناء تشابهار الإيراني المطل على المحيط الهندي، ثم الشحن بحرًا إلى مدينة بومباي في الهند.

والمسار الثاني هو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران عبر المرور بكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان.

والمسار الثالث (المسار الغربي): هو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران عبر أذربيجان، وهو ما يتطلب إكمال بناء خط سكة حديد رشت- استارا داخل إيران بطول 160 كم لربط ميناء بندر أنزالي الإيراني مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر أذربيجان، وهو ما يوفر طريقًا مباشرًا لنقل البضائع.

بينما جرى الاتفاق بخصوص المشروع بين إيران وروسيا والهند في عام 2000، إلا أنه لم يشهد تقدما منذ ذلك الحين بسبب مشاكل التمويل وعدم تبني سياسي قوي له سابقا، وبالأخص من قبل موسكو. لكنّ الاهتمام الروسي بإنجاز المشروع تجدد عقب فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات مشددة على موسكو إثر شنها للحرب ضد أوكرانيا في فبراير 2022، وهو ما جعل روسيا تنضم إلى إيران في مواجهة صعوبات في الوصول إلى الأسواق العالمية وتعرضها للتضييق على حركة التجارة الخاصة بها. وبالفعل بدأت مرحلة الاختبار في يوليو 2022 من خلال نقل قطار روسي 39 حاوية عبر آسيا الوسطى إلى إيران، ومنها إلى الهند، وتأمل إيران وروسيا في استكمال وإطلاق الممر بحلول عام 2025 بحيث ينقل ما بين 20-25 مليون طن سنويًا من البضائع.

وتسعى روسيا وإيران لتعزيز تواجدهما في أسواق بديلة مثل دول الخليج وشرق إفريقيا والهند، كما تبحثان عن طرق للالتفاف على العقوبات الغربية وخفض تكلفة التجارة عبر ممر الشمال – الجنوب الذي سينقل البضائع بينهما بحرًا بشكل مباشر، أو برًا من خلال دول آسيا الوسطى أو جنوب القوقاز بعيدًا عن طرق التجارة التقليدية الأكثر عرضة للعقوبات الاقتصادية الغربية.

وتراهن موسكو وطهران على أن ممر الشمال- الجنوب، يمكن أن يصبح بديلًا لحركة النقل عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، نظرا لأن المرور من خلاله يستغرق 25 يوما لقطع 7200 كيلو متر مقارنة بطريق قناة السويس البالغ طوله 16 ألف كلم، ويستغرق من 36 إلى 40 يوماً على الأقل.

لكنّ المشروع مازال يواجه تحديات. حيث تواجه إيران تحديات مثل تردي البنية التحتية المحلية من عربات نقل وطرق، وضعف القدرة على جذب استثمارات أجنبية أو توفير الموارد المالية اللازمة لإكمال الممر، وبالأخص تمويل بناء “خط سكة حديد رشت-أستارا”، فضلا عن تمويل بناء 22 نفقا و15 جسرا على امتداد الممر في الأراضي الإيرانية، وهي عقبات تعهدت روسيا مؤخرا بحلها عبر تقديم مساعدات فنية ومالية مقابل دفع إيران المستحقات ضمن آلية “النفط مقابل البضائع”.

كذلك يؤثر توتر العلاقات الإيرانية الأذرية المتزايد بعد حرب كاراباخ 2020، على المسار الغربي للممر، والذي يُعد المسار الأقل كلفة والأيسر عبورا، وهو ما قد يؤخر أو يعطل إكمال تنفيذ المشروع، كما يفتح الباب لواشنطن والغرب لعرقلة تنفيذ الممر الذي يفتح نافذة واسعة في جدار العقوبات الغربية على روسيا وإيران.

ويمثل المشروع أحد أوجه التعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران، والذي تعزز بعد حرب أوكرانيا، ليأخذ أشكالا متنوعة عسكرية وأمنية واقتصادية وتجارية، كما أنه يشير إلى أن تنامي التحالف بين الهند والولايات المتحدة مازال يواجه تحديا أساسيا هو عمق العلاقة التاريخية بين روسيا والهند. ويعد نجاح مشروع ممر الشمال الجنوب اضعافا لدور قناة السويس المصرية اذ سيؤدي بكل تأكيد الي أقتطاع جزء من حصة التجارة العالمية المارة بقناة السويس المصرية لصالح الممر الجديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى